سورة الطور - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الطور)


        


{وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6) إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7) مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ (8) يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا (9) وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا (10)}
{والطور}: الجبل الذي كلم الله عليه موسى وهو بمدين. والكتاب المسطور في الرق المنشور، والرق: الصحيفة. وقيل: الجلد الذي يكتب فيه الكتاب الذي يكتب فيه الأعمال. قال الله تعالى: {وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القيامة كِتَابًا يلقاه مَنْشُوراً} [الإسراء: 13] وقيل: هو ما كتبه الله لموسى وهو يسمع صرير القلم. وقيل: اللوح المحفوظ.
وقيل القرآن، ونكر لأنه كتاب مخصوص من بين جنس الكتب، كقوله تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} [الشمس: 7]. {والبيت المعمور} الضراح في السماء الرابعة. وعمرانه: كثرة غاشيته من الملائكة. وقيل: الكعبة لكونها معمورة بالحجاج والعمار والمجاورين {والسقف المرفوع} السماء {والبحر المسجور} المملوء. وقيل: الموقد، من قوله تعالى: {وَإِذَا البحار سُجّرَتْ} [التكوير: 6] وروى أن الله تعالى يجعل يوم القيامة البحار كلها ناراً تسجر بها نار جهنم.
وعن علي رضي الله عنه أنه سأل يهودياً: أين موضع النار في كتابكم؟ قال: في البحر. قال علي: ما أراه إلا صادقاً، لقوله تعالى {والبحر المسجور}. {لَوَاقِعٌ} لنازل. قال جبير بن مطعم: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكلمه في الأسارى فألفيته في صلاة الفجر يقرأ سورة الطور، فلما بلغ {إِنَّ عَذَابَ رَبّكَ لَوَاقِعٌ} أسلمت خوفاً من أن ينزل العذاب {تَمُورُ السماء} تضطرب وتجيء وتذهب. وقيل: المور تحرك في تموّج، وهو الشيء يتردد في عرض كالداغصة في الركبة.


{فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (11) الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (12) يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (13) هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (14) أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ (15) اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (16)}
غلب الخوض في الاندفاع في الباطل والكذب. ومنه قوله تعالى: {وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الخائضين} [المدثر: 45]، {وَخُضْتُمْ كالذي خَاضُواْ} [التوبة: 69] الدع: الدفع العنيف، وذلك أن خزنة النار يغلون أيديهم إلى أعناقهم، ويجمعون نواصيهم إلى أقدامهم، ويدفعونهم إلى النار دفعاً على وجوههم وزخاً في أقفيتهم.
وقرأ زيد بن عليّ {يدعون} من الدعاء أي يقال لهم: هلموا إلى النار، وادخلوا النار {دَعًّا} مدعوعين، يقال لهم: هذه النار {أَفَسِحْرٌ هذا} يعني كنتم تقولون للوحي هذا سحر، أفسحر هذا؟ يريد: أهذا المصداق أيضاً سحر؟ ودخلت الفاء لهذا المعنى {أَمْ أَنتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ} كما كنتم لا تبصرون في الدنيا، يعني: أم أنتم عمي عن المخبر عنه كما كنتم عمياً عن الخبر، وهذا تقريع وتهكم {سَوَآءٌ} خبر محذوف، أي: سواء عليكم الأمران: الصبر وعدمه، فإن قلت: لم علل استواء الصبر وعدمه بقوله: {إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}؟ قلت: لأنّ الصبر إنما يكون له مزية على الجزع، لنفعه في العاقبة بأن يجازي عليه الصابر جزاء الخير، فأما الصبر على العذاب الذي هو الجزاء ولا عاقبة له ولا منفعة، فلا مزية له على الجزع.


{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (17) فَاكِهِينَ بِمَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (18) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (19) مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (20)}
{فِى جنات وَنَعِيمٍ} في آية جنات وأي نعيم، بمعنى الكمال في هذه الصفة. أو في جنات ونعيم مخصوصة بالمتقين خلقت لهم خاصة. وقرئ: {فاكهين فكهين وفاكهون}: من نصبه حالاً جعل الظرف مستقراً، ومن رفعه خبراً جعل الظرف لغواً، أي: متلذذين {بِمَا ءاتاهم رَبُّهُمْ}.
فإن قلت: علام عطف قوله؟ {ووقاهم رَبُّهُمْ}؟ قلت: على قوله: {فِي جنات} أو على {ءاتاهم رَبُّهُمْ} على أن تجعل ما مصدرية؛ والمعنى: فاكهين بإيتائهم ربهم ووقايتهم عذاب الجحيم. ويجوز أن تكون الواو للحال وقد بعدها مضمرة. يقال لهم: {كُلُواْ واشربوا} أكلا وشرباً {هَنِيئَاً} أو طعاماً وشراباً هنيئاً، وهو الذي لا تنغيص فيه. ويجوز أن يكون مثله في قوله:
هَنِيئاً مَرِيئاً غَيْرَ دَاءٍ مُخَامِرٍ *** لِعَزَّةَ مِنْ أَعْرَاضِنَا مَا استحلت
أعني: صفة استعملت استعمال المصدر القائم مقام الفعل مرتفعاً به ما استحلت كما يرتفع بالفعل،، كأنه قيل: هناء عزة المستحل من أعراضنا، وكذلك معنى {هَنِيئَاً} ههنا: هناءكم الأكل والشرب. أو هناءكم ما كنتم تعملون؛ أي: جزاء ما كنتم تعملون. والباء مزيدة كما في {كفى بالله} [الرعد: 43] والباء متعلقة بكلوا واشربوا إذا جعلت الفاعل الأكل والشرب. وقرئ: (بعيس عين).

1 | 2 | 3